السبت، 12 يونيو 2010



تجدد النزاع بين تنزانيا وإثيوبيا وكينيا مع مصر والسودان بسبب المياه
هل تتفجر أزمة مياه بين دول النيل؟


نهر النيل


عادت المناوشات بين دول حوض النيل (عشر دول) للظهور مرةً أخرى- خاصةً بين مصر وتنزانيا- في أعقاب صدور تصريحات لوزير الثروة المائية التنزاني قال فيها إن بلاده ترغب في التزود من مياه بحيرة فيكتوريا عبر أنابيب تمتد بحوالي 170 كيلو مترًا لتوصيلها إلى حوالي 24 قرية، وأجزاء واسعة في الشمال الغربي لبلاده تتعرض لأزمة المياه والجفاف، والأمر المتوقع أن ترفضه مصر والسودان؛ باعتبارهما من دول المصبِّ لنهر النيل؛ لأنه سيؤثر على حصتهما من المياه.



وقد زاد الوزير التنزاني الأزمة اشتعالاً بقوله إن الاتفاقيات المائية المُبرمة في عهد الاستعمار- يقصد اتفاق 1929م بين مصر وبريطانيا لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فكتوريا، والتي تعطي الحق لمصر على أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه- لا تلزم بلاده، وأنها لم تلتزم بهذا الاتفاق وستمضي قُدُمًا في إنشاء مشاريعها دون استشارة مصر، مشيرًا إلى أن المشروع سيبدأ الشهر المقبل لينتهي العمل فيه عام 2005م بتكاليف 7807م مليون دولار!!.



وتأتي تصريحات الوزير التنزاني في وقت تعالت فيه أصوات دول من حوض النيل تطالب ببيع مياه النيل لمصر.. الأمر الذي نفاه وزير الري المصري "محمود أبو زيد" لصحيفة الأهرام المصرية الرسمية أمس الأحد 15 فبراير، مؤكدًا أن وزراء المياه في أوغندا‏ وتنزانيا‏ وكينيا أكدوا له أن ما يُثار عن بيع المياه لمصر لا يعبر عن المواقف الرسمية للحكومات الإفريقية، ولا يتعدى كونه تصريحات صحفية لا تعبر بالمرة عن المواقف الرسمية‏ وآراء الحكومات التي تلتزم بها.



ونقل الوزير المصري- عقب حضوره اجتماعات خبراء ووزراء المياه والزراعة في إفريقيا- عن وزراء حوض النيل أن حكوماتهم جادة في دعم مبادرة آلية حوض النيل والرؤية الشاملة‏ ومشروعات الأحواض الفرعية للنيل‏، مع دعمها أعمال لجنة التفاوض التي بدأت اجتماعاتها في يناير الماضي بـ(أديس أبابا).



وكانت دول الحوض قد اتفقت- في اجتماعها الوزاري في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) في سبتمبر 2003م- على آلية جديدة لحل نزاعات دول حوض النيل، والاتفاق على حل أي نزاع مائي بين دول الحوض بالطرق الودية دون اللجوء إلى استعمال القوة؛ حيث تساهم الصناديق الدولية والدول المانحة والغنية في تمويل هذه المشروعات لصالح شعوب دول الحوض.



كما اتفقوا على ضرورة عقد اجتماعات وطنية بكل دولة من دول الحوض للتعريف بأهمية مبادرة آلية (نهر النيل الجديدة)؛ وذلك لدرء أي محاولات للوقيعة بين شعوب وحكومات دول الحوض، وقرروا البدء في تنفيذ أول المشروعات المشتركة طبقًا للآلية الجديدة في بداية شهر أكتوبر المقبل، والمموَّلة من الجهات الدولية المانحة بمبلغ (25) مليون دولار؛ بهدف اقتسام مياه النيل.



كما تمَّ الاتفاق على (مبادرة حوض النيل) التي تهدف إلى بناء الثقة بين دول النيل، وهي تتصل بمشروعات ذات منافع مشتركة وتشمل بناء خزانات ومشروعات الربط الكهربائي، بالإضافة إلى تطوير الإدارة المبكرة للفيضانات والجفاف وأعمال الوقاية، مثل مشروعات مكافحة التصحُّر والجفاف والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا.



وقد جاءت محاولات إبرام اتفاقات تعاون بين دول الحوض في أعقاب إعداد التجمع البرلماني لجماعة دول شرق أفريقيا‏- كينيا وأوغندا وتنزانيا- تقريرًا في أغسطس ‏2003‏م حول اتفاقية ماء النيل عام ‏1929‏م بين مصر وبريطانيا‏، والتي انتهت بالمطالبة بمراجعة نصوص الاتفاقية مع اقتراح بيع مياه البحيرات العظمى لمصر والسودان‏؛ مما أثار أزمةً كبيرةً وبوادرَ حرب مياه في المنطقة.



‏وخلال شهر ديسمبر ‏2003م‏ في مناسبة انعقاد مؤتمر وزراء مياه عموم إفريقيا ثم المؤتمر الوزاري لدول حوض النيل العشر تفجَّر النقاش حول الموضوع في الصحافة المصرية، التي نشرت تصريحات للوزير الدكتور "محمود أبو زيد" ومقالات لعدد من الكتَّاب، امتد إلى موعد انعقاد مؤتمر رؤساء البرلمانات الإفريقية بالقاهرة في يناير ‏2004م.



وقد ألقى الوزير المصري "محمود أبو زيد" محاضرةً حول (السياسات المائية في دول حوض النيل)- نشرتها صحف القاهرة‏ حينئذ-‏ تتضمن جوانب قانونية خاصة بمبدأ التوارث الدولي‏ وجوانب سياسية وتنظيمية خاصة بالسياسة المصرية، التي تتخذ أسلوب التعاون بدلاً من المواجهة؛ مما أدى إلى النجاح في تجاوز أزمة نشبت في ذلك الوقت بين مصر وكينيا‏.



الأزمة تعود إلى عام 1929م:

ويقول الدكتور "عبدالملك عودة"- أستاذ وخبير الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة-: "إن تاريخ الأزمة حول مياه النيل يعود إلى معاهدة عام 1929م، ففي مايو ‏1929م‏ تبادل رئيس وزراء مصر مذكرتَين مع المندوب السامي البريطاني (وقت احتلال مصر) الذي وقع نيابةً عن الإدارة الاستعمارية البريطانية الحاكمة في كينيا وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حاليًا)، وفي هذه الاتفاقية إقرار قانوني بحصة مصر المكتسبة من المياه، وأن لمصر نصيبًا عادلاً من كل زيادة تطرأ على موارد النهر في حال إنشاء مشروعات جديدة على النهر وروافده، وإن حصة مصر تحددت بـ‏(48)‏ مليار متر مكعب وحصة السودان بـ‏(4)‏ مليارات متر مكعب سنويًا.



ويضيف أنه في‏ 1949‏م اتفقت مصر وبريطانيا- نيابةً عن أوغندا- بإنشاء قناطر شلالات (أوين) لتوليد الكهرباء من بحيرة فكتوريا،‏ ودفعت مصر نصيبها من تكاليف المشروع مع تعويضات للسكان الذين تضرَّروا من إقامة القناطر، وفي الاتفاق أقرت أوغندا بحقوق مصر والسودان المكتسَبة في اتفاقية ‏1929م، ثم تكرَّرت الموافقة الأوغندية عام ‏1991‏م عند موافقة مصر والسودان على إعلاء سد وقناطر (أوين) بإقرار اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959م (‏المعروفة باسم اتفاقية السد العالي‏).



أما الأزمة المائية بين مصر وتنزانيا التي اندلعت مؤخرًا فتعود إلى تاريخ إعلان استقلال (تنجانيفا) ثم وحدتها مع (زنزبار) في دولة تنزانيا عام ‏1964م؛ حيث أصدر الرئيس التنزاني في ذلك الوقت "نيريري" إعلانًا باسم (مبدأ نيريري) يقول بعدم الاعتراف بالاتفاقيات التي عقدتها الدولة الاستعمارية قبل إعلان الاستقلال، ومن بينها اتفاقية ‏1929م.



وقد انضمت- وفق الدكتور "عبدالملك عودة"- إلى هذا المبدأ أوغندا وكينيا وطلبت الدول الثلاث من مصر التفاوض معها حول الموضوع، ثم وقعت تنزانيا مع رواندا وبوروندي اتفاقيةَ (نهر كاجيرا) عام ‏1977م؛ مما اعتُبر موافقةً من الدولتين على (مبدأ نيريري)، كما طلبت حكومة السودان- بعد إعلان الاستقلال أيضًا من مصر- إعادة التفاوض حول اتفاقية ‏1929م.






وقد ردَّت مصر على ذلك بإعلان أن ما سبق من اتفاقيات أثناء الاستعمار يظل ساريًا- طبقًا لمبدأ (التوارث الدولي)- إلى أن تحل اتفاقيات تفاوضية جديدة محل الاتفاقيات القديمة، وأن تكون هذه الاتفاقيات برضاء جميع الأطراف المعنية، وكذلك أعلنت إثيوبيا رفضها لاتفاقية ‏1929‏م واتفاقية ‏1959م‏ في جميع عهودها السياسية، منذ حكم الإمبراطور ثم النظام الماركسي "منجستو" وحتى النظام الحالي، وأعلنت كينيا رفضها وتنديدها- منذ استقلالها- لهذه الاتفاقيات القديمة لمياه النيل لأسباب جغرافية واقتصادية، مثل رغبتها في تنفيذ مشروع استصلاح زراعي،‏ وبناء عدد من السدود لحجز المياه داخل حدودها‏.



وهناك تفكير لدى دول منابع النيل- وبخاصة إثيوبيا- فيما تعتبره حقها في استغلال مياه النيل وفقًا لاحتياجاتها التنموية، باعتبار أن مياه النهر تنبع من أراضيها، رغم أنها لا تحتاج إليها لِهُطول الأمطار بكميات غزيرة تكفي للزراعة، وترى أن على دُوَل المصبِّ مواءمة احتياجاتها مع ما يتبقَّى من استخدام دول المنابع.



من هذا المنطلق فقد تقدمت إثيوبيا رسميًا بمطالبها إلى مؤتمر الأمم المتحدة للدول النامية عام 1981م؛ حيث أعلنت رغبتها في استصلاح 227 ألف فدان في حوض النيل الأزرق، وأكدت أنه نظرًا لعدم وجود اتفاقيات بينها وبين الدول النيلية الأخرى فإنها تحتفظ بحقها الكامل في تنفيذ مشروعاتها مستقلةً.



وقد قامت بالفعل مع بداية عام 1984م بتنفيذ مشروع سدِّ (فيشا)، أحد روافد النيل الأزرق بتمويل من بنك التنمية الإفريقي، وهو مشروع يؤثر على حصة مصر من مياه النيل بحوالي 0.5 مليار متر مكعب، كما تقوم إثيوبيا بدراسة ثلاثة مشروعات أخرى يُفترض أنها سوف تؤثر على مصر بمقدار 7 مليار متر مكعب سنويًّا (حصة مصر الحالية 55 مليار متر مكعب)، ومن المتوقع أن تسعى القاهرة لمزيد من التنسيق والتعاون بينها وبين الخرطوم وبقية دول الحوض لتجاوز هذه الأزمات وتفعيل آلية فض المنازعات.



يُذكر أن حوض النيل يضم عشر دول، ويبلغ طول نهر النيل 6825كم، وتبلغ مساحة حوضه (3) ملايين كيلو متر، وينبع النيل من مصدرين رئيسيين، هما: حوض بحيرة فيكتوريا كمصدر دائم والهضبة الإثيوبية كمصدر متجدد، أما المنابع الإثيوبية فتشمل ثلاثة روافد هم نهر السوباط والنيل الأزرق ونهر العطبرة وتعتبر الهضبة الإثيوبية أهم منابع النيل إذ تمد النيل الرئيسي عند أسوان بـ(85%) من متوسط الإيراد السنوي.




1 - معقول ان يظل الاضطهاد لدول المنيع حتي بعد زوال الاستعمار لان الاستعمار احتكر النيل لمصلحته ابان استعماره لمصر ام الان فلابد ان تعود الحقوق لاصحابها اي ان يتم التعجيب في كل الاتفاقيات السبقة بما يضمن حقوق دول المنبع

ليست هناك تعليقات: